هل نتجاوز الخطوط الحمراء، أو ندس أنوفنا فيما لا يعنينا، إذا ما تساءلنا عما بيننا فى مصر والولايات المتحدة الأمريكية؟
هذا السؤال ألح على حين طالعت خبر اجتماع الفريق دافيد جولدفين قائد القوات الجوية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية مصحوبًا بوفد من كبار العسكريين الأمريكيين، مع رئيس الأركان المصرى ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفريق سامى عنان، وهو الاجتماع الذى حضره عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وجرى فيه بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشتركة كما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الاثنين 19/9.
لست أخفى أننى أحد الذين يستريبون من زيارة المسئولين الأمريكيين للقاهرة وتوددهم لها، خصوصا بعد الثورة، وهنا التوجس يتزايد إذا كانوا بين العسكريين.
وعندى فى ذلك عدة أسباب منها أننى أعتبر أن الأصل فى عموم السياسيين الأمريكيين هو عدم البراءة. أما إذا كانوا عسكريين فقلة البراءة تتضاعف وتصبح مسكونة بالخوف والقلق.
إذ يكفى أن يكون أولئك السياسيون أو العسكريون أصدقاء أعدائنا وفى خدمتهم. وإذا كان عدو عدوى صديقى، كما يقول المثل الشائع، فإن صديق عدوى، (حبيبه إن شئت الدقة)، ليس كذلك قطعا.
وبالتالى فإن كل قبلة يبعث بها إلينا فهى إما ضارة أو مسمومة.
السبب الثانى للتوجس أن الثورة قامت ضد نظام حليف للولايات المتحدة، وإذا كان رئيسه قد اعتبر كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، فلابد أنه كان أكثر من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة والغضب الهادر الذى أسقط مبارك ونظامه لابد أن يكون للساسة الأمريكيين منه نصيب.
وإذا كان شبابنا قد عبروا عن مشاعرهم إزاء السياسة الإسرائيلية بالصورة التى يعرفها الجميع، فلا يشك أحد أن مشاعر شبابنا إزاء الولايات المتحدة ليست أفضل كثيرا.
وإذا كان الغضب فى وجه السفارة الإسرائيلية قد انفجر بعد مقتل الجنود المصريين الخمسة، فإننا لا نعرف متى يمكن أن ينفجر الغضب فى وجه السياسيين الأمريكيين، وإن كنا لا نشك فى أنه قائم ومخزن.
إزاء ذلك، فإنه يظل مستغربا بل محيرا ألا يتغير شىء فى علاقات مصر بالولايات المتحدة بعد الثورة. وأن العلاقات الإيجابية التى كانت قبل 25 يناير عادت إلى ما كانت عليه بعد ذلك التاريخ، بحيث إننا لم نستشعر أن هناك أى برود أو توتر فى العلاقات، كأن مبارك لم يسقط وكأن رجاله لايزالون فى مكاتبهم وسياسته الخارجية لم تتغير. الأمر الذى يؤيد الانطباع الذى يروج له البعض من أن رأس النظام سقط حقا ولكن جسمه لايزال مستمرا وخريجى مدرسته لايزالون يتبوأون مواقعهم المتقدمة.
لم أجد حتى الآن من يفسر لى كيف يمكن أن تكون علاقات القاهرة وواشنطن «سمنا على عسل» قبل 25 يناير ثم تظل كذلك بعد ذلك التاريخ.
لست أدعو إلى اشتباك مع الولايات المتحدة، ولا إلى قطع العلاقات معها، ولكننى أدعو إلى تمايز ومسافة تقنعنا بأن القرار السياسى المصرى قد أصبح أكثر استقلالا بعد الثورة، وأن الإدارة الأمريكية بلغتها رسالة مفادها أن ثمة متغيرا مهما حدث فى مصر، وأن ما كانت القاهرة تقبل به وتحتمله فى السابق قد لا تقبل به أو تحتمله بعد 25 يناير، حين ثار الشعب دفاعا عن كرامته وكرامة بلده أيضا.
لو أن الاجتماع الذى تم بين رئيس الأركان المصرى وبين القائد العسكرى الأمريكى تم فى ظروف أخرى لقلنا إن اللقاء تم لمناقشة الشئون العسكرية التى ليس لنا أن نخوض فيها، رغم أننا لا نعرف مداها ولا نفهم مبررها، ولكن الحاصل أن السيد عنان ليس رئيسا للأركان فحسب وإنما هو نائب رئيس المجلس العسكرى الحاكم أيضا، والرجل له دوره فى دائرة القرار السياسى وله نشاطه الذى صار على تماس مستمر مع ترتيب الأوضاع السياسية المستجدة فى البلد، خصوصا مع ما تعلق بخطوات تسليم السلطة للمدنيين.
وهو ليس مستمعا فقط ولكن له آراءه الخاصة المعلنة فى شأن المستقبل السياسى، التى قد تتفق مع بعضها ونختلف مع البعض الآخر.
فى الجزء الثانى من الحوار الذى نشره الأهرام مع الأستاذ محمد حسنين هيكل أمس (20/9) قال إننا لا نعرف ما يكفى عن موضوعات أساسية تتعلق بالمستقبل. كان من بينها ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما يتصل به من أثار وتبعات،
وقال إن الأوضاع فى مصر مقيدة بكثير من العقد بأكثر مما يتصور الناس. ونبهنا إلى أن الأحوال فى مصر أشبه ما تكون بجبل الجليد، أكثره غاطس تحت الماء وأقله ظاهر فوقها.
من مصادفات الأقدار أن عدد الأهرام الذى نشر خبر اجتماع الفريق عنان مع القائد العسكرى الأمريكى على الصفحة الأولى هو ذاته الذى نشر كلام الأستاذ هيكل على الصفحات الداخلية، الأمر الذى دفعنى إلى التساؤل عما إذا كان اللقاء متعلقا بالجزء الظاهر أم الغاطس من جبل الجليد الذى تحدث عنه.
الشعب يريد أن يفهم لكى يطمئن على ثورته
ملحوظة هذه الندوينة منقولة من مدونة فهمي هويدي
وشكرا جزيلا لكل الاعضاء والمشرفين في مدونة فهمي هويدي الإلكترونية علي مجهوداتهم الرائعة
هذا السؤال ألح على حين طالعت خبر اجتماع الفريق دافيد جولدفين قائد القوات الجوية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية مصحوبًا بوفد من كبار العسكريين الأمريكيين، مع رئيس الأركان المصرى ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفريق سامى عنان، وهو الاجتماع الذى حضره عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وجرى فيه بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشتركة كما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الاثنين 19/9.
لست أخفى أننى أحد الذين يستريبون من زيارة المسئولين الأمريكيين للقاهرة وتوددهم لها، خصوصا بعد الثورة، وهنا التوجس يتزايد إذا كانوا بين العسكريين.
وعندى فى ذلك عدة أسباب منها أننى أعتبر أن الأصل فى عموم السياسيين الأمريكيين هو عدم البراءة. أما إذا كانوا عسكريين فقلة البراءة تتضاعف وتصبح مسكونة بالخوف والقلق.
إذ يكفى أن يكون أولئك السياسيون أو العسكريون أصدقاء أعدائنا وفى خدمتهم. وإذا كان عدو عدوى صديقى، كما يقول المثل الشائع، فإن صديق عدوى، (حبيبه إن شئت الدقة)، ليس كذلك قطعا.
وبالتالى فإن كل قبلة يبعث بها إلينا فهى إما ضارة أو مسمومة.
السبب الثانى للتوجس أن الثورة قامت ضد نظام حليف للولايات المتحدة، وإذا كان رئيسه قد اعتبر كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، فلابد أنه كان أكثر من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة والغضب الهادر الذى أسقط مبارك ونظامه لابد أن يكون للساسة الأمريكيين منه نصيب.
وإذا كان شبابنا قد عبروا عن مشاعرهم إزاء السياسة الإسرائيلية بالصورة التى يعرفها الجميع، فلا يشك أحد أن مشاعر شبابنا إزاء الولايات المتحدة ليست أفضل كثيرا.
وإذا كان الغضب فى وجه السفارة الإسرائيلية قد انفجر بعد مقتل الجنود المصريين الخمسة، فإننا لا نعرف متى يمكن أن ينفجر الغضب فى وجه السياسيين الأمريكيين، وإن كنا لا نشك فى أنه قائم ومخزن.
إزاء ذلك، فإنه يظل مستغربا بل محيرا ألا يتغير شىء فى علاقات مصر بالولايات المتحدة بعد الثورة. وأن العلاقات الإيجابية التى كانت قبل 25 يناير عادت إلى ما كانت عليه بعد ذلك التاريخ، بحيث إننا لم نستشعر أن هناك أى برود أو توتر فى العلاقات، كأن مبارك لم يسقط وكأن رجاله لايزالون فى مكاتبهم وسياسته الخارجية لم تتغير. الأمر الذى يؤيد الانطباع الذى يروج له البعض من أن رأس النظام سقط حقا ولكن جسمه لايزال مستمرا وخريجى مدرسته لايزالون يتبوأون مواقعهم المتقدمة.
لم أجد حتى الآن من يفسر لى كيف يمكن أن تكون علاقات القاهرة وواشنطن «سمنا على عسل» قبل 25 يناير ثم تظل كذلك بعد ذلك التاريخ.
لست أدعو إلى اشتباك مع الولايات المتحدة، ولا إلى قطع العلاقات معها، ولكننى أدعو إلى تمايز ومسافة تقنعنا بأن القرار السياسى المصرى قد أصبح أكثر استقلالا بعد الثورة، وأن الإدارة الأمريكية بلغتها رسالة مفادها أن ثمة متغيرا مهما حدث فى مصر، وأن ما كانت القاهرة تقبل به وتحتمله فى السابق قد لا تقبل به أو تحتمله بعد 25 يناير، حين ثار الشعب دفاعا عن كرامته وكرامة بلده أيضا.
لو أن الاجتماع الذى تم بين رئيس الأركان المصرى وبين القائد العسكرى الأمريكى تم فى ظروف أخرى لقلنا إن اللقاء تم لمناقشة الشئون العسكرية التى ليس لنا أن نخوض فيها، رغم أننا لا نعرف مداها ولا نفهم مبررها، ولكن الحاصل أن السيد عنان ليس رئيسا للأركان فحسب وإنما هو نائب رئيس المجلس العسكرى الحاكم أيضا، والرجل له دوره فى دائرة القرار السياسى وله نشاطه الذى صار على تماس مستمر مع ترتيب الأوضاع السياسية المستجدة فى البلد، خصوصا مع ما تعلق بخطوات تسليم السلطة للمدنيين.
وهو ليس مستمعا فقط ولكن له آراءه الخاصة المعلنة فى شأن المستقبل السياسى، التى قد تتفق مع بعضها ونختلف مع البعض الآخر.
فى الجزء الثانى من الحوار الذى نشره الأهرام مع الأستاذ محمد حسنين هيكل أمس (20/9) قال إننا لا نعرف ما يكفى عن موضوعات أساسية تتعلق بالمستقبل. كان من بينها ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما يتصل به من أثار وتبعات،
وقال إن الأوضاع فى مصر مقيدة بكثير من العقد بأكثر مما يتصور الناس. ونبهنا إلى أن الأحوال فى مصر أشبه ما تكون بجبل الجليد، أكثره غاطس تحت الماء وأقله ظاهر فوقها.
من مصادفات الأقدار أن عدد الأهرام الذى نشر خبر اجتماع الفريق عنان مع القائد العسكرى الأمريكى على الصفحة الأولى هو ذاته الذى نشر كلام الأستاذ هيكل على الصفحات الداخلية، الأمر الذى دفعنى إلى التساؤل عما إذا كان اللقاء متعلقا بالجزء الظاهر أم الغاطس من جبل الجليد الذى تحدث عنه.
الشعب يريد أن يفهم لكى يطمئن على ثورته
ملحوظة هذه الندوينة منقولة من مدونة فهمي هويدي
وشكرا جزيلا لكل الاعضاء والمشرفين في مدونة فهمي هويدي الإلكترونية علي مجهوداتهم الرائعة